مقالات
أخر الأخبار

الآء محمود علي تكتب: التكنولوجيا كسلاح خفي

الآء محمود علي تكتب: التكنولوجيا كسلاح خفي – الابتزاز الإلكتروني ضد النساء في صعيد مصر

 

في عصرٍ تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية، لم تعد التكنولوجيا مجرد وسيلة للتواصل أو المعرفة، بل تحولت أحيانًا إلى سلاحٍ خفي يُستخدم للإيذاء، لا سيما ضد النساء في المجتمعات المحافظة. ومن قلب صعيد مصر، حيث تتقاطع العادات مع القيم التقليدية، تتسلل جريمة الابتزاز الإلكتروني، لتُشكل خطرًا نفسيًا واجتماعيًا مضاعفًا على الفتيات والنساء.

 

من الهاتف إلى الهاوية

خلف شاشات الهواتف المحمولة، وفي صمت الغرف المغلقة، تبدأ القصة برسالة، أو صورة، أو محادثة، ليجد الضحية نفسه في مواجهة تهديدات رقمية قد تُنهي سمعته، وتُحطم حياته. المبتزون لا يطلقون الرصاص، بل يستخدمون الصور والكلمات كسلاح، ويضغطون على أوتار الخوف والخجل والصمت.

 

وصمة المجتمع قبل عقوبة الجاني

في صعيد مصر، تخشى كثير من الضحايا أن يتحدثن، ليس لأن القانون لا يحميهن، بل لأن المجتمع لا يرحمهن. يُنظر للضحية بنظرة شك واتهام، وكأنها من جلبت المصيبة لنفسها، لا من تعرضت لجريمة. هذا الثقل المجتمعي قد يدفع الضحية للاستسلام، أو الرضوخ لابتزاز طويل يُهدر كرامتها وراحتها النفسية.

 

قانون موجود… لكن مجهول

رغم أن القانون المصري خطا خطوة مهمة بإصدار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، الذي يتضمن مواد صريحة لحماية ضحايا الابتزاز الإلكتروني، إلا أن كثيرًا من الفتيات والنساء، خاصة في المناطق الريفية والصعيدية، يجهلن وجود هذا القانون، أو يخفن من اللجوء إليه.

 

تنص المادة 25 على أنه يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على القيم الأسرية أو خصوصية الأفراد بنشر صور أو معلومات بدون رضاهم، حتى إن كانت صحيحة.

 

أما المادة 26، فتنص على الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، وغرامة من 100 ألف إلى 300 ألف جنيه، لكل من استخدم برامج إلكترونية لمعالجة بيانات الغير بطريقة تنتهك الآداب أو تسيء للشرف.

 

كيف تتصرفين إن تعرضتِ للابتزاز؟

أول خطوة هي كسر حاجز الخوف. يجب أن تعلم كل فتاة أن القانون في صفها، وأن الصمت لن يحميها بل يطيل أمد المعاناة.

 

وإليكِ بعض الخطوات المهمة:

 

احتفظي بالأدلة: لا تحذفي الرسائل أو الصور أو التسجيلات.

 

لا تحذفي الحسابات أو المحادثات التي قد تدعم بلاغك.

 

قدّمي بلاغًا إلى مباحث الإنترنت أو وحدة مكافحة العنف ضد المرأة.

 

تأكدي من سرية بياناتك عند التعامل مع الجهات المختصة.

 

اطلبي دعمًا قانونيًا أو نفسيًا من مراكز موثوقة أو مؤسسات المجتمع المدني.

 

الوعي درع الحماية

القانون وحده لا يكفي، ما لم يُفعَّل بالوعي والثقة. يجب أن نغرس ثقافة الحذر الرقمي، ونُدرّب الفتيات على تأمين حساباتهن، والتمييز بين السلوك السليم والمشبوه على الإنترنت.

 

والأهم من ذلك، يجب أن نكسر ثقافة الصمت. لا يجب أن تكون الضحية هي من تُدان، بل يجب أن تُمنح الدعم والفهم، من أسرتها ومجتمعها ومؤسسات الدولة.

 

إن بناء جدار من الوعي، يبدأ من المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، ويتطلب تعاون الجهات الأمنية والقانونية. فكل فتاة هي مشروع حياة، ومن واجبنا أن نمنحها الأمان في عالمها الواقعي والرقمي على السواء.

 

 

 

الآء محمود علي

محامية وباحثة قانونية في تكنولوجيا وأمن المعلومات

ماجستير في القانون الخاص – جامعة أسيوط

أسوان، مصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى