مقالات
أخر الأخبار

اللغة العربية تنطق فخرًا بمعلمها “حسن القاضي”.. صانع الأوائل وعمود اللغة العربية في قرى عرب جهينة وما حولها.

 

في زمنٍ تتسارع فيه الخطى وتتغير فيه القيم، يبقى بعض الأشخاص علامات مضيئة في دروب المجتمع، يسيرون في صمتٍ لكن أثرهم باقٍ وعميق. ومن بين هؤلاء المميزين يسطع نجم الأستاذ حسن محمدي عبدالله محمد، المعروف بين طلابه وأهل قريته بـ “حسن القاضي”، ذلك الاسم الذي صار مرادفًا للتميز والتأثير والإلهام.

ولد الأستاذ حسن القاضي ونشأ في أحضان قرية عرب جهينة، تلك البقعة الطيبة التي طالما أنجبت العقول النابغة والقلوب العامرة بالإخلاص. منذ صغره، كان مولعًا باللغة العربية، يعشق حروفها ويتذوق بلاغتها، فكان من الطبيعي أن يسلك طريق دار العلوم، لينهل من معينها، ويغوص في بحور نحوها وصرفها وأدبها.

التحق بكلية دار العلوم العريقة، وهناك تميز بين أقرانه، ليس فقط بالتحصيل الأكاديمي، ولكن أيضًا بالحضور الهادئ والهمة العالية، حتى تخرج بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف، مكللًا جهده وتعبه بما يستحقه من تقدير.

لكن تميزه الحقيقي لم يبدأ من الجامعة فقط، بل ظهر جليًا بعد تخرجه، حين قرر أن يعود إلى جذوره، ويمنح مجتمعه ما تعلمه من علم وقيم. فاختار مهنة مدرس اللغة العربية للمراحل الإعدادية والثانوية، وكرّس جهده لتعليم الطلاب في قريته عرب جهينة والقرى المجاورة، ليكون بذلك شعلة مضيئة في سماء التعليم المحلي.

لم يكن مجرد معلم يؤدي وظيفته، بل أصبح “صانع الأوائل” بحق. فمن بين يديه تخرج العشرات من الطلاب المتفوقين، الذين حصلوا على مراكز متقدمة في مراحلهم الدراسية، ودخلوا كليات القمة، وبعضهم صار معلمين وأطباء ومهندسين، يذكرون اسمه بكل فخر، ويقرّون بأنه كان حجر الأساس في مسيرتهم.

يقول أحد طلابه: “كان الأستاذ حسن لا يشرح فقط، بل يحببنا في اللغة، ويجعلنا نراها كما لو كانت كائنًا حيًا، يفهمنا ونفهمه. لم نكن نشعر أن الحصة مجرد وقت دراسي، بل كانت رحلة فكرية وأدبية ممتعة.”

الأثر الذي تركه لم يتوقف عند حدود الفصل الدراسي، بل امتد إلى الحياة الاجتماعية، حيث أصبح شخصية محورية في مجتمعه، يُستشار في الأمور التربوية والتعليمية، ويقصده أولياء الأمور لطلب النصيحة أو الدعم. عُرف عنه دماثة الخلق، والتواضع الجم، والحب الصادق لطلابه ومهنتِه.

يستخدم الأستاذ حسن أساليب مبتكرة في تدريسه، تجمع بين روح العصر وأصالة اللغة، مما جعله قريبًا من الطلاب بمختلف مستوياتهم. وبفضل الله ثم اجتهاده، استطاع أن يغيّر نظرة كثير من الطلاب تجاه اللغة العربية، ويحولها من مادة صعبة إلى فنٍ محبب ورفيقٍ دائم في رحلتهم التعليمية.

كما لا ينسى الجميع مواقفه الإنسانية، إذ كان دومًا يمد يده لكل طالبٍ محتاج للدعم، سواء في المذاكرة أو في الجانب النفسي. آمن بأن التعليم رسالة لا وظيفة، وأن بناء العقول لا يقل أهمية عن بناء الجدران.

اليوم، وبعد سنوات من العطاء، أصبح اسم “حسن القاضي” مصدر فخر لأهالي عرب جهينة وما حولها. فقد أثبت أن المعلم الصادق يمكن أن يغيّر مصير أجيال بأكملها، وأن العطاء الحقيقي لا يُقاس بالراتب، بل بالبصمة التي تُترك في القلوب والعقول.

ختامًا، يظل الأستاذ حسن القاضي نموذجًا يحتذى، ورمزًا للمعلم الذي يعرف قدر الكلمة وأمانة الرسالة. هو بحق “صانع الأوائل”، ومُلهم القادمين على طريق العلم، الذين لا بد أنهم سيتذكرونه دومًا بدعاء الخير والامتنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى