المحامية رحاب أبوبكر: الوعي هو المعركة الحقيقية

في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه الأزمات لم يعد التحدي الأكبر هو نقص الموارد أو غياب الإمكانيات بل أصبح التحدي الأعمق هو غياب الوعي فالوعي ليس رفاهية فكرية ولا هو ترفٌ يُضاف للحياة كزينة بل هو الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء: من قراراتنا اليومية البسيطة إلى اختيارات الشعوب في مصيرها.
الوعي هو تلك اللحظة التي يقف فيها الإنسان أمام نفسه يتأمل يُدرك ويختار بعينٍ مفتوحة هو أن تعرف لماذا تفعل ما تفعل ولماذا تؤيد ما تؤيد ولماذا ترفض ما ترفض وغياب الوعي لا يعني فقط الجهل بل يعني أن يعيش الإنسان على “التلقين” أن يُساق وراء الموجة دون تفكير أو أن يُردد ما يسمعه دون أن يسأل نفسه هل هذا حق؟ هل هذا يخدمني ويخدم وطني؟
لقد علمتنا التجارب أن الأوطان لا تُبنى بالقوانين وحدها ولا بالإنجازات المادية فقط بل تُبنى بوعي مواطنيها فالشعب الواعي هو القادر على حماية مكتسباته وهو الذي يميز بين المعلومة الصحيحة والشائعة المغرضة وهو الذي يعرف كيف يحاسب دون أن يهدم وكيف ينتقد دون أن يجلد ذاته.
إن أخطر ما يُواجهنا اليوم ليس فقط تحديات اقتصادية أو اجتماعية وإنما “حرب وعي” حرب لا تُطلق فيها الرصاصات بل تُطلق فيها الشائعات حرب لا تُستعمل فيها الأسلحة بل تُستعمل فيها الكلمات والصور والمقاطع المقتطعة من سياقها وهنا تتجلى مسؤولية كل فرد أن يكون خط الدفاع الأول بوعيه لا أن يكون ضحية سهلة لكل ما يُبث عبر الشاشات والهواتف.
لكن الوعي ليس مجرد معرفة بالمعلومات بل هو قدرة على الربط والتحليل واتخاذ الموقف الوعي أن تُدرك أن قوتك لا تكمن فقط في ما تملك بل في كيف تفكر. أن تُدرك أن المشاركة في الشأن العام ولو بكلمة صادقة أو موقف شجاع هي جزء من حماية الوطن.
ولعل أجمل ما في الوعي أنه يبدأ من داخلنا نحن من بيوتنا الصغيرة من طريقة تربيتنا لأطفالنا على السؤال والبحث لا على الحفظ والتلقين من تعليمهم أن الخطأ ليس عيبًا بل فرصة للتعلم من غرس قيمة “التفكير النقدي” في كل موقف حياتي حتى لا يكونوا نسخًا مكررة من الماضي بل عقولًا حرة قادرة على البناء والإبداع.
لقد آن الأوان أن نُدرك أن كل مواطن أيًا كان موقعه هو “قائد رأي” في دائرته الصغيرة الأم في بيتها المعلم في فصله العامل في مصنعه الطالب بين زملائه كل هؤلاء يصنعون وعيًا عامًا إما أن ينهض بالأمة أو يثقل كاهلها.
الوعي ليس شعارًا نردده بل ممارسة يومية أن نُدرك قيمة الوقت فلا نهدره أن نفهم قيمة الصحة فلا نفرط فيها أن نحترم اختلاف الآراء فلا نُقصي أحدًا أن نُوازن بين النقد والبناء بين الغضب والأمل.
قد نختلف في كثير من التفاصيل لكننا لن نختلف أبدًا على أن الوعي هو الركيزة التي تُبنى عليها الأوطان هو البوصلة التي تحمينا من الضياع وسط الزحام وهو المعركة الحقيقية التي إن ربحناها ربحنا كل شيء.