قصة نجاح نيوتن الفيزياء المهندس “محمد مجدي ” يحوّل الإلكترونيات إلى معلومة ترسخ في ذهن طلابة بكفاءة عالية.

من قلب مركز تلا بمحافظة المنوفية، خرجت العديد من العقول المتميزة التي رفعت إسم مصر عاليًا في مختلف المجالات، وكان من بينها المهندس محمد مجدي، أحد النماذج الفريدة التي جمعت بين المهارة الهندسية، والخبرة العملية، والشغف الأكاديمي، لتنتهي رحلته ـ أو بالأحرى تبدأ ـ من جديد في ميدان محبب إليه: تدريس الفيزياء.
لم يكن طريق محمد مجدي تقليديًا، بل كان متنوعًا وثرِيًّا. تخرّج في كلية الهندسة متخصصًا في الهندسة الكهربية، واختار أن يتعمق أكثر فأكثر في مجال شديد الدقة والتعقيد، حيث حصل على ماجستير في هندسة الإلكترونات الصناعية والتحكم، ويسعى الان للحصول على درجة الدكتوراة، ساعيًا إلى الوصول لاكتشافات وتطبيقات تفيد المجتمع علميًا وصناعيًا.
لكن خلف هذه الدرجات العلمية، هناك عقلية شغوفة بالتطبيق لا تكتفي بالتحصيل النظري فقط. لذلك، بدأ محمد مسيرته المهنية في ميادين العمل مباشرة بعد التخرج، وكان أولى محطاته مصنع شيبسي الشهير، حيث عمل مهندس صيانة يتعامل يوميًا مع نظم تشغيل معقدة وخطوط إنتاج ضخمة تتطلب مهارات تحليل وحل مشكلات فورية.
ثم انتقل إلى العمل في شركة مزارع دينا، واحدة من أكبر الشركات الزراعية والصناعية في مصر، حيث تعمق أكثر في مجال التحكم الآلي وصيانة النظم الذكية، مما صقل خبرته بشكل كبير وفتح له آفاقًا أوسع في مجاله.
رغم النجاح المهني، لم يغفل عن شغفه بالتعليم، فاختار أن ينقل خبراته العملية إلى الطلاب، والتحق للعمل كـمعيد بالمعهد العالي للهندسة بالمحلة الكبرى، حيث قضى سبع سنوات كاملة ساهم فيها في بناء عقول هندسية جديدة، وتميز خلالها بجمعه بين العلم النظري والخبرة العملية، وهي ميزة يفتقر إليها كثير من الأكاديميين.
ويشهد له زملاؤه وطلابه بأنه كان دائم البحث عن تبسيط المفاهيم المعقدة، خصوصًا في مجالات الكهرباء والتحكم، وقد نجح بالفعل في ترك بصمة واضحة لدى طلابه الذين أصبح كثير منهم مهندسين ناجحين في مجالاتهم.
لكن في قلب هذا المهندس الباحث، كانت هناك مساحة كبيرة محفوظة لحبٍ قديم: الفيزياء.
لطالما رأى محمد مجدي أن الفيزياء ليست مجرد مادة دراسية، بل طريقة لفهم العالم وتفسير ظواهره. وبالفعل، بعد سنوات من التخصص الدقيق في الإلكترونيات والتحكم، اختار أن يخوض تجربة جديدة تليق بشغفه، فبدأ العمل كـمدرس فيزياء، بجانب عمله الحالي كـمهندس برمجيات، ليجمع بين النظرية والتطبيق في آن واحد.
ومن خلال أسلوبه المختلف، إستطاع أن يُحبّب الطلاب في الفيزياء، ويقرّب مفاهيمها من عقولهم، مستخدمًا خلفيته الهندسية لتقديم أمثلة واقعية من الحياة والصناعة تجعل المادة أكثر حيوية ومتعة.
لم تكن هذه الخطوة تراجعًا عن مساره الهندسي، بل كانت تكملة له، فقد استطاع من خلالها أن يربط الطلاب بالعلم الحقيقي، ويُخرجهم من قوالب الحفظ التقليدية إلى فضاء التفكير والتحليل، وهو ما جعله واحدًا من المدرسين الذين يحظون بإشادة واسعة على منصات التواصل وبين طلابه.
محمد مجدي ليس مجرد مدرس فيزياء أو مهندس تحكم، بل هو نموذج لإنسان يرفض أن يضع نفسه في قالب واحد. يعمل حاليًا كـمهندس برمجيات، ويواصل في الوقت ذاته رسالة التعليم التي يؤمن بها. ورغم مسؤولياته الكثيرة، لم يتوقف عن البحث، بل يواصل دراسته للدكتوراه بتصميم وإصرار.
قصته تذكرنا أن الشغف لا تحدّه التخصصات، وأن النجاح الحقيقي هو أن تترك بصمتك أينما ذهبت، سواء كنت في مصنع، أو في قاعة محاضرات، أو أمام سبورة تشرح قوانين نيوتن.
إنه ببساطة: محمد مجدي.. المهندس الذي اختار أن يدرّس الفيزياء.