
في زمن تتزايد فيه التحديات النفسية والتربوية وتشتد الضغوط على الأفراد والأسر، تبرز نماذج نسائية مضيئة تسعى لترميم الوعي المجتمعي وبناء الإنسان من الداخل، وعلى رأس هذه النماذج تأتي الدكتورة هبة الزيني، التي كرّست حياتها للعلم وخدمة الصحة النفسية في العالم العربي.
تخرجت هبة الزيني في كلية الآداب جامعة القاهرة عام 2004، حاملة معها طموحًا لا يهدأ لفهم النفس البشرية وتطويع العلم في سبيل حياة أسرية وتربوية أكثر توازنًا. لم تكتفِ بما أتاحته لها سنوات الدراسة الأولى، بل واصلت طريقها العلمي بثقة وإصرار، فحصلت على دبلوم في علم النفس المتكامل التربوي والأسري والنفسي، ثم دبلوم علم نفس إكلينيكي، لتتعمق أكثر في التعامل مع الحالات الفردية والنفسية المعقدة.
ولأن طريق الإصلاح النفسي لا يكتمل دون أدوات معرفية سلوكية حديثة، حصلت على دبلوم العلاج المعرفي السلوكي (CPT)، ثم دبلوم العلاج الجدلي السلوكي، وهو أحد أنجح الأساليب النفسية في التعامل مع اضطرابات الشخصية والانفعالات العنيفة. كما أضافت لرصيدها العلمي دبلوم تدريب المدربين (TOT) من المعهد العربي للتدريب، لتصبح جاهزة لنقل هذا العلم والخبرة لغيرها من المتخصصين.
لكن رحلة هبة لم تتوقف عند حدود الدبلومات، بل ارتقت بها إلى مستويات أكاديمية عليا، حيث حصلت على درجة الماجستير ثم الدكتوراه في الصحة النفسية المتكاملة. وكانت رسالتها للدكتوراه علامة فارقة في مسيرتها، إذ اختارت موضوعًا بالغ الأهمية والحساسية، وهو التحرش الجنسي الذي يتعرض له الأطفال، ودور الأسرة في وقوعه نتيجة قلة الوعي، وتأثير هذه التجارب القاسية على مستقبل الطفل النفسي والسلوكي. ناقشت الرسالة بأدوات علمية دقيقة، وخرجت بتوصيات عملية لوقاية الأطفال ومساعدة الأسر على إدراك أدوارهم الحقيقية في حماية الأبناء.
وتعمل حاليًا كـأخصائي نفسي واستشاري تربوي وأسري داخل مقر عيادتها، حيث تستقبل الحالات المتنوعة وتقدم الدعم النفسي والعلاج السلوكي لعدد كبير من الأسر والأفراد. لكن رسالتها لم تتوقف داخل جدران العيادة، بل امتدت إلى منصات التعليم والتدريب، حيث تعمل محاضرًا على منصة “منطقة التعلم” بالمملكة العربية السعودية، وكذلك محاضرًا على منصة “الإصلاح للتنمية والسلام العالمي”، وهي منصات تسعى إلى نشر الوعي النفسي والتربوي في المجتمعات العربية.
كما أنها عضو بارز ومحاضر في المنتدى العالمي لتنمية الموارد البشرية، وقد شاركت مؤخرًا في مؤتمر الصحة النفسية والإدمان بالإسكندرية، حيث قدمت بحثًا نال إعجاب الحضور، وتم تكريمها خلال الفعالية بدرع وشهادة تقدير، تقديرًا لجهودها العلمية والمجتمعية.
ولأن الوعي يبدأ من جذوره الأولى، كانت حريصة على التواجد في المدارس والحضانات والمراكز التربوية، حيث شاركت في عشرات الندوات واللقاءات التوعوية التي استهدفت أولياء الأمور والأطفال معًا، مقدمة لهم أدوات واقعية لحماية الطفل وبناء أسرة أكثر تماسكًا واستقرارًا.
كما حلت ضيفة على البرنامج التلفزيوني “طعم البيوت” على القناة الثانية المصرية، في حلقة تناولت موضوعًا بالغ الأهمية وهو الاحتياج العاطفي لدى المرأة، حيث قدمت تحليلًا علميًا عميقًا لهذا الاحتياج، وسلطت الضوء على دور المجتمع والأسرة في تلبيته بطريقة صحية وآمنة.
إن هبة الزيني ليست فقط نموذجًا للمرأة العربية المثقفة، بل هي مثال حقيقي للعلم الذي يُحدث فرقًا، وللرسالة التي تتجاوز الشهادات إلى التأثير الإيجابي في حياة الناس. من قاعات الدراسة إلى قلوب الأسر، ومن ندوات التوعية إلى عيادات العلاج، تمضي هبة الزيني في طريقها بثقة، حاملة شعلة الأمل لمجتمع أكثر وعيًا، ونفوس أكثر اتزانًا، ومستقبل تُصنع فيه الصحة النفسية من الجذور.