
في عالم الطب، حيث تتقاطع الإنسانية بالعلم، تبرز شخصيات تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة الأطفال وأسرهم، ومن بين هذه الشخصيات الملهمة تلمع نجمة الدكتورة صفاء سعادة، استشاري الأطفال وحديثي الولادة، واستشاري تغذية الأطفال وصعوبات الطعام، ورئيس قسم تغذية أطفال ذوي الهمم بوزارة الصحة بمحافظة الإسكندرية.
مسيرة الدكتورة صفاء المهنية تعد نموذجًا مشرفًا لطبيبة جمعت بين التخصص الدقيق، والرؤية المستقبلية، والالتزام العميق برسالتها الإنسانية تجاه الأطفال، خاصة من يعانون من صعوبات الطعام أو ينتمون إلى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
بحصولها على شهادة “معالج معتمد دوليًا من المؤسسة الأمريكية لرفض الطعام”، وضعت قدمها بثقة في مجال بالغ الدقة والحساسية: التعامل مع اضطرابات الطعام عند الأطفال، والتي قد تكون مرتبطة بمشاكل نفسية أو عصبية أو حركية أو حتى بيئية. وتعد هذه الشهادة العالمية اعترافًا بكفاءتها العالية في علاج هذه الحالات المعقدة التي يعاني منها كثير من الأطفال في صمت، وتحمل معها معاناة كبيرة للأسرة والمجتمع.
في عيادتها التي تستقبل يوميًا عشرات الأطفال، لا تقتصر خدماتها على التشخيص ووصف العلاج، بل تمتد لتشمل التوجيه النفسي والدعم الأسري، حيث تؤمن بأن علاج الطفل يبدأ من دعم المحيطين به، وتثقيفهم بكيفية التعامل معه بلطف ووعي وفهم عميق لحالته.
كما تولي اهتمامًا خاصًا بالأطفال ذوي الهمم، وتحديدًا في مجال التغذية، إدراكًا منها لأهمية التغذية السليمة في دعم نموهم الجسدي والذهني، ومساعدتهم على تجاوز التحديات الصحية المرتبطة بحالتهم. ومن خلال رئاستها لقسم تغذية أطفال ذوي الهمم بوزارة الصحة بالإسكندرية، تقود العديد من المبادرات التي تهدف لتحسين جودة حياة هذه الفئة، سواء من خلال وضع بروتوكولات تغذية خاصة، أو تدريب الكوادر الطبية والتمريضية على التعامل معهم.
ولم يكن هذا التميز وليد الصدفة، بل ثمرة سنوات من العمل الدؤوب، والدراسة المستمرة، والتعامل العملي مع آلاف الحالات التي صقلت خبرتها وقدّمت لها فهماً نادراً لتفاصيل المشكلات الغذائية عند الأطفال بمختلف أنواعها. وقد استطاعت أن تطور نماذج علاجية فعّالة تتماشى مع طبيعة الطفل المصري والبيئة المحلية، وتراعي العوامل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية للأسرة.
ومن أبرز إنجازاتها أيضًا مشاركتها الفعالة في حملات التوعية المجتمعية، من خلال لقاءات تلفزيونية وإذاعية وورش تدريبية، حيث تسعى جاهدة لنشر الثقافة الغذائية السليمة بين أولياء الأمور، ورفع وعيهم بالمؤشرات المبكرة لصعوبات الطعام عند أبنائهم، وكيفية الوقاية من المشاكل المرتبطة بسوء التغذية في المراحل العمرية المختلفة.
كما تقوم بعلاج واحدة من أكثر المشكلات التي تؤرق الأهالي وهي “رفض الطعام عند الأطفال”، تلك الحالة التي تتحوّل فيها كل وجبة إلى معركة يومية مليئة بالتوتر والقلق. ومن خلال جلسات الإطعام العلاجية التي تُقدمها بخبرة واحتراف، استطاعت أن تساعد مئات الأطفال على تجاوز هذه الأزمة، وأن تُعيد إليهم — وإلى أسرهم — راحة البال وفرحة الأكل. فهي لا تعالج فقط السلوك الظاهري، بل تبحث عن الأسباب النفسية والعضوية وتقدم حلولًا متكاملة تناسب كل حالة على حدة.
وفي ظل تزايد التحديات الصحية المعاصرة، مثل السمنة، وفقر الدم، واضطرابات الشهية، وحساسية الطعام، تظهر أهمية الدور الذي تقوم به كاستشاري تغذية أطفال، إذ تقدم نماذج غذائية متوازنة تتناسب مع طبيعة كل حالة، وتحرص على أن تكون الخطة العلاجية مرنة، تراعي رغبات الطفل وتدمج الغذاء بالعاطفة والتدرّج السلوكي.
إنها ليست مجرد طبيبة، بل قلب نابض بالرحمة، وعقل متمكن بالعلم، ويد ممدودة بالمساعدة لكل طفل يحتاج إلى بداية صحية لحياته. ويكفي أنها كانت – ولا تزال – سببًا في استعادة الابتسامة على وجوه مئات الأطفال الذين تجاوزوا صعوبات الطعام بفضل رعايتها وعلمها وإصرارها على التغيير.
في ختام هذا المشهد الملهم، تمثل د. صفاء سعادة القدوة الحقيقية لكل من يعمل في مجال طب الأطفال، وتجسد المعنى العميق لأن يكون الطب رسالة لا مهنة، والعلم وسيلة لصناعة الأمل، وخاصة حين يكون هذا الأمل هو طفل صغير استعاد قدرته على النمو، والأكل، والحياة.