مقالات

فأتبع سببًا.. كيف غيّر عبد الرحمن خميس مفهوم العمل الخيري في مصر؟

“في ناس مفكراني بطلع المبالغ وبوري الناس أنا بعمل إيه.. وناس تانية شايفاني متطوع.. وناس أصلًا مش عارفة أنا مين.. وناس بصراحة مفكراني نصّاب!” — بهذه الكلمات الصريحة بدأ عبد الرحمن خميس حديثه عن نفسه، قبل أن يكشف حكاية امتدت أكثر من 15 عامًا في طريق الخير والعمل المجتمعي.

المهندس عبد الرحمن خميس، شاب مصري يبلغ من العمر 28 عامًا، تخرّج في كلية هندسة ميكانيكا بجامعة حلوان، لكنه اختار طريقًا مختلفًا تمامًا عن مسار زملائه. فمنذ أن كان في الصف الثالث الإعدادي، تعلّق قلبه بفكرة العطاء، وبدأ يشارك في أنشطة تطوعية عديدة. كانت تلك اللحظة، كما يصفها، “بذرة الخير” التي نمت معه عامًا بعد عام.

وبلقاء خاص معة أوضح قائلاً :

“اللي قريته عن العمل الخيري كان أضعاف اللي قريته عن الهندسة.. كنت بدوّر على العلم اللي يغيّر واقع الناس، لكن اكتشفت فجوة كبيرة بين النظري وأرض الواقع.”

تلك الفجوة دفعته للبحث عن العلم الحقيقي الذي يمكن أن يُحدث تغييرًا حقيقيًا. ومع التجربة، تعلّم أن النوايا الطيبة وحدها لا تكفي. فبعد سنوات من التطوع داخل بعض الجمعيات، اصطدم برفض أفكاره وسخرية البعض منها، وهو ما كان نقطة تحوّل كبيرة في مسيرته. عندها أدرك أن العمل الخيري لا يقوم بالعاطفة فقط، بل يحتاج إلى علم، خبرة، وإدارة واعية.

ومن هنا بدأ عبد الرحمن رحلة جديدة نحو التخصص العلمي في مجالات بعيدة عن الهندسة.
درس إدارة الأعمال، ثم حصل على ماجستير في المنظمات غير الحكومية، وتعمّق في علوم مختلفة مثل علم النفس والاجتماع وأصول الفقه والتاريخ الإسلامي وتطوير الذات ومهارات التواصل. كانت هذه الدراسات وقودًا لرؤيته الجديدة: “الخير لا يُدار بالعشوائية، بل بالعلم والمنهج.”

ثم جاءت فكرة “كراسة المحتويات” — تلك التي كانت النواة الأولى لتأسيس مؤسسة فَأَتْبَعَ سَبَبًا، وهي مؤسسة خيرية تحمل اسمًا قرآنيًا ودلالة عميقة على السعي المنظم وراء الأثر الإيجابي.

كان من أبرز مبادئ المؤسسة: أن العمل الخيري يحتوي الجميع، بلا تصنيف ولا استبعاد. هذا المبدأ وُلد من موقف إنساني مؤلم، حين شاهد عبد الرحمن متطوعين يسخرون من زميل لهم لأنه ضعيف وغير قادر على مجاراة الآخرين. يقول:

“من يومها قررت إن الخير لازم يكون مظلة رحمة، مش ساحة منافسة.”

 

حرص أيضًا على أن تبقى مؤسسته قريبة من العلماء وأهل الاختصاص، خاصة في الفتاوى المتعلقة بالزكاة والصدقات. فكما يقول:

“مش كل فتوى تنفع كل ظرف، وعلشان كده كنت بوجّه المتبرعين لدار الإفتاء عشان يطمنوا. العلم أمانة، والدين لا يُؤخذ بالعاطفة.”

 

بدأت المؤسسة بفريق صغير وثلاثة أنشطة بسيطة، لكنها اليوم — بفضل الله — صارت شجرة طيبة تضم أكثر من 30 نشاطًا متنوعًا، منها:

1)وقف المنعم: يضم مسجدًا من أكبر مساجد المحافظة ومستشفى خيري.

2)وقف الصحبة: يشمل مسجدًا وأكاديمية ربانيين ومطبخ الثريد ومقرًا للأنشطة.

3)عيادات شفاء ورحمة: تقدّم خدمات طبية ميسّرة للناس.

4)أكاديمية سنبلة: لتعليم الحرف اليدوية، ومن أهم مشاريعها صناعة السجاد اليدوي الذي فتح بيوتًا كثيرة.

5)مسابقات قرآنية وتربوية كـ مسابقة تدبّر القرآن الكريم وخير الورى، واللتين أصبحتا من أبرز المسابقات في الشرق الأوسط.

هذه المشاريع لم تُبنَ لتخدم فئة واحدة، بل لتشمل الجميع: أطفالًا وشبابًا وكبارًا، رجالًا ونساءً. فكما يقول عبد الرحمن:

“الخير لا يعرف سنًّا ولا طبقة، هو فقط يحتاج قلبًا حيًّا.”

 

ويختم حديثه بكلمات تعبّر عن فلسفته في الحياة:

“فوالله أن تكون سببًا في جبر خواطر الناس، فذلك نعيم في القلب لا ينضب ولا ينتهي أبدًا.”

 

حلم عبد الرحمن خميس لا يتوقف عند حدود محافظته، بل يتمنى أن تمتد جذور “فأتبع سببًا” لتثمر خيرها في كل مكان داخل مصر وخارجها.
فهو لا يرى في العمل الخيري وظيفة، بل رسالة عمر، عنوانها:
“العلم سبيل الخير.. والنية الصادقة طريق الأثر.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى