“بويكا”… من شوارع زفتى إلى العالمية: قصة مدرب حقيقي صنع نفسه بنفسه
إصرار،وضوح، وجدية "بويكا"... إسم بدأ من لا شئ إلى كل شئ ومن لغة واحدة إلى ثلاث لغات ووصل إلى الاحترافية بفضل جهودة.

في زحام الحياة ومجتمع لا يمنح الفرص بسهولة، يخرج من زفتى، إحدى مدن محافظة الغربية، شاب اسمه محمود عادل محمد، يُعرف بين أصدقائه وتلاميذه باسم “بويكا”، الإسم الذي أختاره لنفسه ليعبر عن شخصيته القوية، وروحه القتالية، ومسيرته التي لم تُصنع في مراكز الإعلام، بل بين العرق والحديد والتجربة.
كان بويكا طالبًا متفوقًا في التعليم النظامي، وكان آنذاك يرى أن طريقه في الحياة سيكون مختلفًا. لم يهتم كثيرًا بالشهادات المدرسية، بقدر ما كان يبحث عن شغفٍ صادق يسكن قلبه، وقد وجده في الرياضة. ومن هنا، بدأت الحكاية.
رغم البدايات البسيطة، قرر أن يطور نفسه في المجال الذي أحبه، فالتحق بـ دورات تدريبية رياضية متخصصة، ودرس في كلية التربية الرياضية – جامعة طنطا، حتى حصل على الشهادة المعتمدة، وأصبح عضوًا رسميًا في نقابة المهن الرياضية، ليبدأ بذلك مرحلة جديدة من حياته، قائمة على الاحتراف والمعرفة، لا مجرد الموهبة.
لكن ما يُميز بويكا حقًا ليس عدد الشهادات، بل مسيرته العملية، فهو واحد من أوائل الشباب في مصر الذين مارسوا رياضة الباركور، في وقت لم تكن هذه الرياضة معروفة في الشارع المصري. بدأ وحده، تعلم من الإنترنت، من التجربة، من الإصابات، من الألم، حتى أتقنها وبدأ في تدريبها، ونقلها إلى غيره. لم يكن يسعى للظهور، بل كان يسعى لصنع شيء جديد، من قلب المجهول.
أما تخصصه الأساسي فهو الكيك بوكسينج، وهو ما كُتب رسميًا في بطاقته الشخصية وجواز سفره: “مدرب كيك بوكس”. لكنه في الواقع مدرب شامل، مارس ودرب الفتنس، والحديد، والباركور، والفنون القتالية، وصنع لنفسه أسلوبًا مختلفًا في التدريب، يجمع بين الشدة والانضباط، وبين الفهم والواقعية.
ومن أبرز محطات حياته المهنية، عمله لمدة ثلاث سنوات كـ Gym Instructor في فندق ريكسوس، أحد الفنادق الفاخرة، حيث كان يتعامل يوميًا مع جنسيات وثقافات متعددة. ومن هنا، قرر أن يطوّر نفسه لغويًا، فتعلّم اللغة الإنجليزية واللغة الروسية بطلاقة، ليكون مؤهلاً للتعامل والتدريب بأي مكان في العالم.
رغم كل هذه الإنجازات، لا يحب بويكا الأضواء ولا المبالغات، بل يُصرّ على أن يُروى تاريخه كما هو، دون “تلميع”. يقول دائمًا:
“أنا مش بتاع شو، ولا بعيش على السوشيال. أنا بتاع تعب حقيقي، تدريب من قلب الشارع، ونجاح جه بعد سنين صبر.”
ما يميز بويكا هو الصدق. لا يعد المتدربين بما لا يستطيع تحقيقه، ولا يبيع الوهم في برامج رياضية وهمية. هو مدرب “واقعي”، يعرف كيف يقرأ جسد الشخص أمامه، ويقوده للنتيجة خطوة بخطوة، دون استعجال ولا خداع. أسلوبه يجمع بين الحزم والدعم، وبين المعرفة والخبرة الميدانية.
اليوم، يُعتبر كابتن بويكا من الأسماء المحترمة في مجاله، لا لأنه ظهر كثيرًا، بل لأنه أثبت نفسه فعليًا. هو نموذج ملهم للشباب الذي يبدأ من لا شيء، ويصنع كل شيء بجهده وعرقه. من دبلوم بسيط إلى فندق خمس نجوم، من الباركور في الشوارع إلى التدريب الاحترافي، من لغة واحدة إلى ثلاث، كل ذلك كان بفضل الإصرار، والوضوح، والجدية.
وفي وقت كثُر فيه المدربون المصطنعون، يظل بويكا مختلفًا، لأنه ببساطة حقيقي.