بقلم: الإعلامية رحمة أحمد
(كاتبة ومقدمة برامج، مهتمة بقضايا الطفل والأسرة والصحة النفسية)
بحسب تقارير صادرة عن منظمات حقوق الطفل، أكثر من 1 من كل 4 أطفال في العالم العربي تعرضوا لتحرش جنسي في مرحلة ما من حياتهم — والنسبة في تزايد. في وقت المفروض نكون فيه أوعى، أكتر تحضرًا، وأكتر حماية لأولادنا، بقينا نسمع عن أطفال بيتعرضوا لتحرش… مش في الشارع، لكن جوا البيت، في المدرسة، النادي، وحتى في عربيات المدرسة! ليه؟ ليه زادت الحوادث؟ وليه بقينا نعرف إن في كل شارع في طفل اتأذى؟ وفي كل حيّ في ساكت… وشاهد… ومعتدي؟ أنا بكتب المقال ده بصوت كل أم شايفة الخوف في عين ابنها، وبصوت كل طفلة صوتها اتكتم، علشان “الفضيحة” أهم من وجعها!
التحرش بالأطفال مش ظاهرة جديدة، لكن الجديد إن في ناس ما بقيتش تسكت. اللي كانت بتخاف تتكلم، بدأت تحكي، واللي كانت بتتكسف، قررت تفضح المعتدي. السوشيال ميديا، الصحافة، والتوعية المجتمعية فتحت باب ما ينفعش يتقفل تاني. بس ده ما يمنعش إن فعليًا… التحرش زاد، لأسباب نفسية، تربوية، وأحيانًا ببساطة: إهمال.
لسه في بيوت بتعلّم أولادها “استحي لو حد لمسك”، لكن مش بتعلمهم يقولوا: “ده جسمي، ومحدش يلمسه”. الطفل اللي مش عارف جسمه له حدود، بيبقى أول ضحية سهلة لأي معتدي. الطفل اللي بيتربى على الخوف والعقاب مش هيحكي، واللي متعود يسمع “اسكت… ما تكدبش… هضربك”، ده مش هيلاقي أمان يقول فيه “أنا اتأذيت”. والمتحرش ذكي… بيختار الضحية اللي مش هتتكلم.
أوقات بيكون المتحرش جار، أو قرايب، أو حتى شخص في البيت نفسه. والمصيبة الأكبر إن في بيوت بتخاف على سمعة المعتدي أكتر من الطفل الضحية! النهارده طفل عنده 6 سنين ممكن يكون ماسك موبايل، شايف، بيسمع، وبيتواصل مع عالم مفتوح، من غير حوار، من غير رقابة، من غير توعية. المتحرشين بقوا أذكى وأسرع، بيستغلوا الألعاب الأونلاين، والرسائل الخاصة، وحتى صور الأطفال اللي بتتنشر. وكل مرة حد يقول: “اسكتي علشان ما نفضحش نفسنا”، في متحرش بياخد ضوء أخضر يكمّل جريمته… مع طفل جديد.
الطفل مش صغير على الفهم، ولا “يعيب” لما يتكلم، العيب الحقيقي فينا لو سكتنا عليه. الحماية مش رد فعل بعد الواقعة، الحماية لازم تبدأ من بدري، في البيت، بالكلام، بالحب، وبالثقة. نعلّم أولادنا من بدري إن جسمهم ليهم، نشرح لهم الفرق بين اللمسة “الآمنة” واللي “مش مريحة”، نسمعهم من غير عصبية أو تهديد، نرّاقب تواصلهم على الإنترنت بحكمة مش بتجسس، والأهم: نبلّغ… حتى لو المعتدي “قريب”!
الطفل مش بس محتاج بيت يأكله ويشربه، هو محتاج حضن يحميه لو اتأذى، محتاج أمان يحس فيه إنه مصدّق ومسنود. لو سكتنا، إحنا مشاركين. لو برّرنا، إحنا بنغطي. لكن لو وعّينا، سمعنا، ووقفنا… ساعتها بس نقدر نقول: “ولادنا بخير… مش لأن الدنيا أمان، لكن علشان إحنا وقفين جنبهم، نحميهم… بكل صوت فينا.”