عقل هندسي يصنع عقولاً واعدة “سامح على” المهندس العاشق للرياضيات يُضيء سماء التعليم بحلوان.

في قلب مدينة حلوان، وبين أزقتها العريقة التي تحمل في طياتها عبق التاريخ ودفء الحاضر، سطع نجمٌ من نوع خاص في سماء التعليم.. إنه المهندس سامح علي، الذي لم يكتفِ بأن يكون خريجًا لواحدة من أعرق كليات الهندسة فحسب، بل اختار أن يُسخّر علمه وشغفه في خدمة أجيال المستقبل، فغدا معلمًا ملهمًا، يُلقب بين طلابه بـ “عاشق الرياضيات”.
تخرج من كلية الهندسة عام 2017، وسط طموحات كبيرة في العمل بالمجال الهندسي، إلا أن شغفه العميق بالرياضيات، منذ أيام طفولته، لم يفارقه لحظة. لقد رأى في الأرقام والمعادلات لغة خاصة، لها سحرها وقدرتها على بناء العقول، تمامًا كما تبني الجدران والهياكل.
ومع مرور الوقت، أدرك أن مكانه الحقيقي ليس خلف شاشات البرامج الهندسية أو في مواقع التنفيذ، بل أمام السبورة، في حجرة الدراسة، يزرع في قلوب طلابه حب الأرقام، ويحول المعادلات الجافة إلى ألغاز ممتعة تُلهب العقول.
بدأ مسيرته في التعليم بهدوء وثقة، مدرسًا لمادة الرياضيات للمرحلتين الإعدادية والثانوية، وسرعان ما ذاع صيته في أوساط الطلاب وأولياء الأمور في حلوان، نظرًا لأسلوبه المختلف في الشرح، وقدرته الفائقة على تبسيط أعقد المفاهيم وتحويلها إلى أمثلة يومية قريبة من الواقع.
كما يؤمن بأن الرياضيات ليست مادة دراسية فقط، بل أسلوب حياة، وطريقة تفكير تساعد الإنسان على اتخاذ القرار الصحيح وتحليل الأمور منطقياً. ولهذا، لا يكتفي فقط بشرح المناهج، بل يحرص دائمًا على تدريب طلابه على التفكير النقدي، وحل المشكلات، وزرع الثقة بالنفس.
عُرف عنه استخدامه لطرق مبتكرة في التعليم، فهو من أوائل المعلمين في حلوان الذين أدخلوا التكنولوجيا في دروس الرياضيات، مستفيدًا من خلفيته الهندسية، ليُبدع عروضًا تفاعلية تدمج بين الرسومات الهندسية والبرمجة والتطبيقات الرقمية، مما جعل حصصه تجربة ممتعة ينتظرها الطلاب بشغف.
ولم يكتفِ بالتدريس داخل الفصول فقط، بل أنشأ قناة تعليمية بسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي، يقدم من خلالها شرحًا مبسطًا للدروس، ويجيب على تساؤلات الطلاب، ويشارك نصائح دراسية، حتى أصبحت منصته مرجعًا للطلاب من داخل حلوان وخارجها.
يُعرف سامح علي أيضًا بروحه الأبويّة وتواضعه، فهو لا يرى في نفسه مجرد معلم، بل أخًا وصديقًا ومستشارًا لكل طالب. يستمع إليهم، ويُحفزهم، ويسير معهم في رحلتهم الدراسية كرفيق لا يملّ من التشجيع، ولا ييأس من المحاولة.
وفي كل عام، يُشارك في إعداد الطلاب للامتحانات النهائية، حيث يُقدم لهم نماذج تدريبية مميزة، ويلقي محاضرات مجانية في الجمعيات الأهلية والمدارس المجتمعية، إيمانًا منه بدوره المجتمعي، وحق كل طالب في التعليم الجيد.
وعلى الرغم من الإنجازات العديدة التي حققها، فإن سامح لا يزال يرى نفسه في بداية الطريق. يقول دومًا: “رسالتي لم تكتمل بعد.. فأنا أحلم أن أُخرج من بين طلابي علماء ومهندسين ومعلمين يحملون شعلة المعرفة، ويقودون مجتمعهم نحو التقدم”.
إن قصة سامح علي ليست فقط قصة معلم ناجح، بل هي حكاية إيمان وشغف ووفاء لقيمة التعليم. هو مثال حي يُثبت أن حب المادة، مهما بدت صعبة، يمكن أن يُزهر إذا وُجد من يُشعل جذوة الشغف في القلوب.
ولعل سامح، بكل ما يقدمه، يُعيد تعريف صورة المعلم في أذهاننا.. ليس فقط كناقل للمعلومة، بل كصانعٍ للقدوة، وبانٍ للنهضة من داخل الصف.