مقالات

النجاح لا يتعلق بالمهنة فقط، بل بكيفية تحويل المعرفة إلى تأثير، والتخصص إلى رسالة،من المهندس الذي قرر أن يبني العقول قبل أن يبني الجسور؟!

وسط الزحام اليومي لمدينة الإسكندرية، وفي قلب فصول الإعدادي والثانوي، يتألق نجم جديد في عالم التعليم، ليس كمعلم تقليدي، بل كقصة نجاح ملهمة تُروى. إنه مستر محمد علي، ابن محافظة قنا، الذي اختار أن ينقل شغفه بالأرقام من قواعد المنشآت الخرسانية إلى عقول التلاميذ المتعطشة للفهم، حيث يمارس رسالته النبيلة في تدريس مادة الرياضيات.

تخرج الأستاذ محمد من كلية الهندسة، جامعة الإسكندرية، تخصص الهندسة المدنية، وهو تخصص يرتبط عادة بتصميم الجسور والمباني والطرق، إلا أن مسار حياته اتخذ منحنى مختلفًا تمامًا. بعد سنوات من الدراسة والعمل الفني، وجد نفسه منجذبًا لعالم التدريس، حيث يمكنه توظيف مهاراته الهندسية في توصيل مفاهيم الرياضيات بطريقة عملية ومبسطة.

“أنا لم أترك الهندسة، بل نقلتها معي إلى الفصل الدراسي”، هكذا يصف مستر محمد علي تجربته. فقد استطاع أن يستلهم من التكوين الهندسي الصارم حسًا دقيقًا في التحليل والشرح المنطقي، الأمر الذي انعكس مباشرة على أسلوبه في تدريس الرياضيات، حيث تتلاشى معها مشاعر الخوف والرهبة من المادة في نفوس الطلاب.

 

رغم أنه من أبناء قنا، تلك المحافظة ذات الجذور الثقافية العميقة في صعيد مصر، إلا أن الإقامة الحالية لمستر محمد علي في مدينة الإسكندرية منحته أفقًا واسعًا واحتكاكًا بتنوع فكري وثقافي أثّر بشكل إيجابي على طريقته في التواصل مع الطلاب من مختلف الخلفيات.

إن هذه المزاوجة بين الأصالة والانفتاح انعكست على شخصيته المهنية، حيث يحرص على غرس القيم والانضباط في طلابه، إلى جانب المهارات الأكاديمية. وهو يردد دائمًا: “الرياضيات مش بس أرقام.. دي طريقة تفكير”، مؤمنًا بأن تعليم الرياضيات يعلّم الطلاب كيف يحلّلون، ويربطون، ويفكرون بشكل منطقي.

 

ما يميز مستر محمد بين زملائه من المعلمين، هو أسلوبه التفاعلي والحديث في الشرح. يستخدم الوسائل الرقمية، والأنشطة الذهنية، والرسوم التوضيحية في تبسيط أصعب المفاهيم، مثل الاشتقاق والتكامل والهندسة التحليلية. كما يخصص وقتًا للطلاب الضعاف ليعيد بناء ثقتهم بأنفسهم، ويحتفل بأبسط إنجازاتهم وكأنها انتصارات كبرى.

ويُشهد له أنه قد ساهم في رفع مستويات طلابه بشكل ملحوظ، حيث استطاع الكثير منهم أن يتحولوا من درجات متدنية إلى التفوق، بل وبعضهم قرر دراسة التخصصات العلمية لاحقًا بسبب التأثير الإيجابي الذي تركه فيهم.

لا يقتصر دوره على كونه مدرس رياضيات للإعدادي والثانوي، بل هو أيضًا قدوة شبابية حقيقية. فهو يدمج بين التخصص الدقيق، والشغف، والمرونة، والإخلاص، وهي الصفات التي يحاول أن ينقلها إلى طلابه بذكاء وتواضع.

ويرى أن التعليم رسالة، وأن كل طالب يحتاج إلى من يفهمه ويؤمن بقدراته. لذلك لا يتردد في المتابعة مع طلابه خارج الفصل، والرد على استفساراتهم في أي وقت، ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مدروس لتقديم الدعم والمراجعات المستمرة.

مستر محمد علي ليس مجرد معلم رياضيات، بل هو مهندس من نوع خاص، يبني العقول قبل المباني، ويصنع الأمل في قلوب طلابه كما تُبنى الأبراج على أساس قوي. إنه مثال حي على أن النجاح لا يتعلق بالمهنة فقط، بل بكيفية تحويل المعرفة إلى تأثير، والتخصص إلى رسالة، والشغف إلى إنجاز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى