مقالات

جمع بين التفوق الأكاديمي والموهبة التربوية الأديب” أحمد عبد الكريم” يثبت أن الكفاءة لا ترتبط بالعمر بل بالعلم والإتقان والتفاني في التعليم.

في بلدة صغيرة على ضفاف النيل الخالد، حيث تختلط نسائم البحر برائحة التاريخ في مركز رشيد بمحافظة البحيرة، يسطع نجم شاب وهب حياته للغة العربية وآدابها، وجعل من حروفها رسالة خالدة يزرع بها نور المعرفة في عقول طلابه. إنّه الأستاذ أحمد عبد الكريم شحاتة خليل حتحت، المعروف بين محبيه وتلامذته بلقب “الأديب”، ذلك الإسم الذي لم يأتِ من فراغ، بل وُلد من شغفه باللسان العربي وإتقانه لفنونه الدقيقة.

يبلغ الأستاذ أحمد من العمر سبعةً وعشرين عامًا، وهو في ريعان الشباب، لكنه إستطاع أن يحفر لنفسه مكانًا متميزًا في حقل التعليم والتربية. فقد حصل على ليسانس الآداب في اللغة العربية وآدابها، ليؤكد أن العشق الذي يسكن قلبه لهذه اللغة لم يكن مجرد هواية، بل هو مسار حياة. ولم يكتفِ أحمد بالتحصيل الجامعي، بل سعى إلى تطوير ذاته، فالتحق بدورات متخصصة في جامعة الإسكندرية، وحصل على تقدير عام امتياز في علوم اللغة الأصيلة: النحو والصرف والبلاغة والمهارات الأساسية في العربية، ليكون بحق معلمًا جامعًا بين العلم والدربة والموهبة.

ويعمل اليوم معلّمًا متخصصًا في اللغة العربية وآدابها، يخاطب عقول وقلوب طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية، سواء في التعليم العام أو الأزهري. وهو لا يرى في عمله مجرد وظيفة يؤديها، بل يعتبر نفسه حاملًا لرسالة مقدسة، رسالة الدفاع عن هوية الأمة وصون لسانها من اللحن والتحريف. ولذا، لا يتعامل مع الدرس على أنه مادة جامدة، بل يحوّله إلى تجربة حيّة، يتذوق فيها الطالب جمال العربية، ويكتشف أسرارها، ويشعر بعمق تأثيرها في الفكر والوجدان.

الملفت في شخصية “الأديب” أنه يجمع بين الصرامة العلمية والروح الأدبية. فهو في قاعة الدرس يعلّم طلابه قواعد النحو والصرف بدقة العالم، وفي الوقت نفسه يفتح لهم أبواب الخيال ليبحروا في عوالم البلاغة والشعر والنثر. وهو يؤمن أن اللغة ليست فقط أداة للتعبير، بل هي مفتاح لفهم التراث الإنساني كله. ومن هنا كان حريصًا على أن يربط طلابه بجذورهم الحضارية، مستشهدًا بروائع القرآن الكريم، وأمهات الشعر العربي، ونصوص أعلام الأدب في الماضي والحاضر.

إنه ليس مجرد مربي أجيال في إدفينا، بل هو أيضًا سفير للثقافة العربية في مجتمعه المحلي. فكثيرًا ما يشارك في الأنشطة الثقافية والدروس التطوعية، ويقدّم مبادرات لنشر الوعي اللغوي بين الشباب. وتراه دائمًا يدعو إلى الاهتمام بالفصحى في الإعلام والشارع والمدرسة، مؤمنًا أن قوة الأمة تبدأ من قوة لغتها، وأن الحفاظ على العربية هو حفاظ على الهوية والانتماء.

ورغم حداثة سنه، إلا أنّه يحظى بإحترام واسع بين زملائه وطلابه وأبناء بلدته. فالكل يشهد له بالخلق الرفيع، وبالقدرة على تبسيط أصعب القواعد بأسلوب سهل ممتع. وقد صار مصدر إلهام لطلابه، الذين ينادونه بفخر “أستاذنا الأديب”، إعترافًا بما زرعه في نفوسهم من حب للعلم ولغة الضاد.

إن قصته هي نموذج للشباب الواعي، الذي لم تغره مظاهر العصر السريعة، بل اختار أن يسلك طريق العلم والمعرفة، حاملاً لواء اللغة التي بها نزل القرآن الكريم، وبها كُتب تاريخنا المجيد. ومن بلدة إدفينا بمركز رشيد، يثبت “الأديب” أن المكان الصغير قد يخرج عقولًا كبيرة، وأن عمر الإنسان لا يُقاس بعدد سنواته، بل بما يقدمه لأمته ومجتمعه.

ولعل أجمل ما يميز هذا الشاب الطموح أنه لا يرى في نفسه نهاية الطريق، بل بداية لمسيرة أطول. فهو يحلم بإكمال دراساته العليا في اللغة العربية، والمشاركة ببحوث ودراسات تثري المكتبة العربية. كما يتمنى أن يكون له مؤلفات أدبية وتعليمية، تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتقدم اللغة العربية بصورة تليق بعظمتها وتستجيب لاحتياجات الجيل الجديد.

وبينما يواصل “الأديب” رحلته في تعليم الأجيال، يظل رمزًا للشاب المصري الذي لم يكتفِ بالحلم، بل حوّله إلى واقع. قصة تستحق أن تُروى، وسيرة تلهم كل من يسعى إلى أن يكون للعلم والكلمة دور في صناعة مستقبل أفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى