مقالات

12 عامًا من العطاء في العلم والعمل الإنساني فهما وجهان لمسيرة نجاح “سوسن سالم” في دعم الأطفال وأسرهم وصاحبة الريادة في إدخال تحليل السلوك التطبيقي بالشرقية

من قلب محافظة الشرقية، وتحديدًا من مدينة ههيا، برز إسم “سوسن سالم” كأحد أبرز الأسماء في مجال التربية الخاصة في مصر. فهي ليست مجرد باحثة دكتوراه بجامعة القاهرة تحمل ماجستير في التربية الخاصة فحسب، بل هي نموذج حي للإصرار والشغف، حيث كرست أكثر من 12 عامًا من عمرها لخدمة الأطفال من ذوي الاضطرابات النمائية وأسرهم، وأسست كيانًا رائدًا يسهم في صناعة فارق حقيقي على أرض الواقع.

بدأت رحلتها المهنية كأخصائية تخاطب، حيث تعاملت عن قرب مع الأطفال الذين يواجهون صعوبات في التواصل واللغة. هذا الاحتكاك المباشر جعلها تدرك أن الطريق إلى تحسين حياة هؤلاء الأطفال يحتاج إلى تكامل أكبر بين الجوانب اللغوية والسلوكية والحسية. لذلك اتجهت إلى دراسة التكامل الحسي والتوحد بعمق، بل وركزت عليهما في رسالتها العلمية للماجستير، لتفتح لنفسها ولمنطقتها أفقًا جديدًا في التعامل مع هذه الفئة من الأطفال.

وفي عام 2016، خطت خطوة مفصلية في مسيرتها، إذ أسست فريق تواصل بجمعية تنمية الروابط الأسرية في ههيا، ليكون منصة مجتمعية متخصصة تقدم خدمات متكاملة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. لم يقتصر دور الفريق على التدخلات العلاجية فحسب، بل شمل أيضًا دعم الأسر وإرشادها في كيفية التعامل مع أبنائها، وهو ما انعكس على مئات الحالات التي شهدت تحسنًا ملحوظًا بفضل جهودها وفريقها.

ومع اتساع نطاق العمل، أدركت ضرورة إضافة العلاج الحسي كجزء أساسي من برامج التأهيل، فأدخلته رسميًا عام 2018 إلى المركز، لتلبية الاحتياجات المختلفة للأطفال وضمان استجابتهم للتدخلات بصورة أفضل. كانت هذه الإضافة نقلة نوعية جعلت فريق تواصل يواكب أحدث الممارسات العلمية في العالم.

لم تتوقف عند هذا الحد؛ ففي أثناء رحلتها البحثية والتطبيقية، تعرفت على علم تحليل السلوك التطبيقي (ABA)، وهو أحد أكثر التدخلات العلمية فاعلية مع الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد والإعاقات النمائية. بدأت دراسته كفني سلوك، ثم طورت مهاراتها تدريجيًا حتى حصلت على اعتماد دولي كمحلل سلوك (QBA, IBA)، لتصبح بذلك أول من أدخل هذا التخصص العلمي إلى محافظة الشرقية.

ومنذ ذلك الحين، لم تكتفِ بتطبيق تحليل السلوك التطبيقي على الأطفال فحسب، بل جعلت منه رسالة لنشر الوعي وبناء الكوادر. فهي اليوم مدرب دولي معتمد من جامعة ميسوري الأمريكية، وتقدم كورسات متخصصة عبر منصة ABC of Behavior، إضافة إلى ورش عمل وتدريبات حضورية وأون لاين تستهدف الأخصائيين وأولياء الأمور. وقدمت خلال مسيرتها تدريبات في عدة محافظات، كان آخرها بمدينة طنطا بمركز “زاد”، كما تنظم دورات عن بُعد لرفع كفاءة العاملين في مجال التربية الخاصة، وإكساب المعلمين مهارات إدارة السلوك داخل الفصول الدراسية.

هذه الجهود المتواصلة جعلت منها مرجعًا علميًا وعمليًا في مجال التربية الخاصة على مستوى محافظتها، بل وأثرت في مناطق أخرى من مصر. فقد ساعدت مئات الأطفال على تحقيق تقدم ملموس، وأسهمت في تمكين أسرهم من مواصلة الرحلة بثقة، كما خرّجت جيلًا من الأخصائيين المدربين الذين يمكنهم حمل الرسالة ونشرها على نطاق أوسع.

ورغم كل هذه الإنجازات، لا تزال تسعى نحو المزيد، إذ تواصل عملها البحثي للحصول على درجة الدكتوراه بجامعة القاهرة، واضعة نصب عينيها هدفًا أكبر هو إحداث نقلة نوعية في مفهوم التربية الخاصة بمصر، وتوسيع نطاق تطبيق تحليل السلوك التطبيقي ليشمل المدارس العامة، بما يضمن بيئة تعليمية دامجة وعادلة لكل الأطفال.

إن مسيرة سوسن سالم تعكس قصة نجاح حقيقية لامرأة مصرية اختارت أن تجعل من العلم والعمل الإنساني رسالة حياة، فكانت مثالًا للإصرار والعطاء، وأيقونة مضيئة في سماء التربية الخاصة ليس فقط في الشرقية، بل في مصر كلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى