فنانة مبدعة تعيد تعريف الجمال العربي “فاطمة شهاب” فنانة الكاليجرافيتي المصرية التي حملت الحرف العربي إلى العالمية بروح عصرية.

في عالم تتسارع فيه الخطوط والألوان وتتداخل فيه الثقافات، تقف فاطمة شهاب، الفنانة التشكيلية الشابة ذات الـ26 عامًا، كجسرٍ فني يجمع بين الجمال العربي الأصيل والروح العصرية الحديثة. خريجة كلية التربية النوعية بجامعة الإسكندرية قسم التربية الفنية ومؤسسة مشروع “The Calligraffiti Space”، إستطاعت أن تحفر لنفسها مكانًا مميزًا في ساحة الفن العربي والدولي، مقدمة تجربة فريدة تمزج بين الخط العربي والرسم بأسلوب معاصر يلامس الحواس ويعبّر عن الهوية بعمقٍ وإبداع.
بدأ شغفها بالفن منذ نعومة أظافرها، حيث كانت الألوان والخطوط بالنسبة لها أكثر من مجرد أدوات، بل وسيلة للتعبير عن الذات واكتشاف العالم. وعلى الرغم من بدايتها الدراسية في الأزهر الشريف، إلا أنها قررت — وهي لا تزال صغيرة — أن تغيّر مسارها بالكامل، منتقلة إلى وزارة التربية والتعليم لتتمكن من الالتحاق بكلية فنية. كانت تلك الخطوة الأولى في طريقٍ ملهمٍ أثبت أن الإصرار على الشغف يصنع المعجزات.
منذ أن كانت في السابعة عشرة من عمرها، بدأت العمل في مجال تدريس الفنون، فجمعت بين الموهبة المبكرة وروح العطاء، حتى أصبحت اليوم فنانة معروفة ومعلمة ملهمة لطلابها حول العالم. ومنذ تأسيسها لـ The Calligraffiti Space عام 2020، كرّست جهدها لنشر فن الكاليجرافيتي — أي الرسم بالخط العربي — بأسلوب حديث يناسب كل الأجيال والمستويات.
على مدار خمس سنوات فقط، نجحت في تعليم أكثر من 300 متدرب بين فنانين وأطفال وهواة، من داخل مصر وخارجها. فقد امتدت ورشها الفنية من الإسكندرية إلى القاهرة، ثم إلى الفضاء الرقمي، لتصل إلى متدربين من بلچيكا، كندا، العراق، تركيا، فلسطين، والسعودية. وبفضل تنوع جمهورها، اكتسبت خبرة واسعة في التعامل مع ثقافات وجنسيات متعددة، حيث ضمت ورشها داخل مصر مشاركين من سوريا وفلسطين والسودان وغيرها.
ما يميز تجربتها ليس فقط مهارتها الفنية، بل أيضًا فلسفتها التعليمية الفريدة، التي تقوم على ست قيم أساسية تلخصها في:
(Community – Experience – Practice – Feedback – Materials – Confidence)، أي: بناء مجتمع فني، خوض تجربة ثرية، ممارسة عملية، تغذية راجعة بنّاءة، استخدام أدوات احترافية، وتنمية الثقة في النفس. هذه المنظومة جعلت من ورشها بيئة مثالية للإبداع، حيث لا يخرج أحد منها إلا وقد وجد طريقه الخاص للتعبير عن ذاته من خلال الحرف العربي.
ولعل أكثر ما يثير الإعجاب أنها لا تضع حدودًا للعمر في تعلم الفن، فقد شارك في ورشها متدربون من مختلف الأعمار، وكان أكبرهم سيدة تبلغ من العمر 72 عامًا، أثبتت أن الإبداع لا يعرف سنًا. ومن خلال هذا التنوع، تحقق فاطمة هدفها الأسمى: نشر الفن العربي بروح معاصرة، وتعليم الأجيال الجديدة كيف يعبرون عن هويتهم بالحرف العربي في أعمال فنية حديثة تتماشى مع هذا العصر.
لا يقتصر تأثير الكاليجرافيتي الذي تقدمه على اللوحات الفنية فقط، بل يمتد إلى مجالات متعددة مثل الديكور الداخلي والخارجي، الأزياء، المجوهرات، المصنوعات الجلدية، وحتى الأثاث الخشبي، مما يجعل من هذا الفن وسيلة إبداعية قابلة للتطبيق في الحياة اليومية، وليس مجرد شكل جمالي.
ورغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها في سن صغيرة، لا تنسى فاطمة أبدًا من كان وراء دعمها وتشجيعها، فتقول دائمًا إن زوجها وأهلها هم السند الحقيقي في كل خطوة، وأن نجاحها هو ثمرة إيمانهم بها وبفنها.
فاطمة شهاب ليست مجرد فنانة تشكيلية أو مدربة فنون، بل هي حركة فنية تحمل رسالة — رسالة الحفاظ على الهوية العربية في مواجهة الحداثة، وصياغتها بلغة يفهمها العالم. ومن خلال مشروعها المُلهم “The Calligraffiti Space”، تُثبت أن الحرف العربي ليس تراثًا جامدًا، بل كائن حيّ قادر على التطور، والتعبير، والانتشار عالميًا بروحٍ حديثةٍ تليق بأصالته وجماله.
بهذه الروح المتقدة، تستمر فاطمة في مسيرتها لتثبت أن الفن رسالة لا تعرف الحدود، وأن الحلم، حين يُرسم بحبر الشغف، يصبح لوحة خالدة تُضيء طريق الآخرين.
