المعلم يستطيع أن يكون جنديًا بالكلمة الأستاذ حسن القاضي.. معلم اللغة العربية الذي جعل من النحو رسالة ومن فلسطين قضية.

في زمنٍ تتراجع فيه القيم وتبهت فيه المواقف، يطلّ علينا نموذج فريد يجمع بين الأصالة اللغوية والوعي الوطني، هو الأستاذ حسن محمدي عبدالله الشهير بـ حسن القاضي، أحد أبناء محافظة القليوبية الذين حملوا راية اللغة العربية بإخلاص وإبداع.
تخرّج الأستاذ حسن في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، تلك القلعة العريقة التي أنجبت كبار العلماء والأدباء، فنهل من معينها العذب علمَ اللغة والبلاغة والنحو والأدب، حتى صار معلمًا يُشار إليه بالبنان في مدارس القليوبية، يجمع بين قوة العلم ودفء الرسالة.
منذ بداية مسيرته في التعليم، لم يكن الأستاذ حسن مجرد ناقلٍ للمعلومة أو شارحٍ لقواعد اللغة العربية، بل كان مربيًا ومُلهمًا، يزرع في طلابه حب الكلمة وجلال البيان، ويربط بين اللغة والهوية، وبين النحو والوجدان. ومن هنا جاءت فكرته المبدعة في تصميم قطعة امتحان نحوي مؤثرة حملت عنوانًا مهيبًا عن فلسطين، فجعل من حصة النحو ساحة وعيٍ وموقف، ومن الإعراب رسالة وطنيّة.
القطعة التي أعدّها لطلابه لم تكن مجرد تمرينٍ لغوي، بل لوحة وجدانية تفيض حبًا للأرض والحق والمقاومة. جاءت عباراتها مشحونة بالعاطفة، تدعو إلى الثبات والنصر، وتستحضر مشهد الأبطال الذين خرجوا طلبًا للشهادة في سبيل الله دفاعًا عن أوطانهم، وتؤكد أن فلسطين ليست مجرد قضيةٍ عابرة، بل رمزٌ للكرامة العربية والإسلامية.
وقد كتب في نصّه الجميل:
“كن مع عباد نَصْرِكَ، وخرجوا قاصدين شهادة في سبيلك في بلادهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ولكن كانوا أسودًا على الأعداء، لا يرهبون أحدًا، غافلين عن دنياهم، مؤمنين بوعدك ونصرك، يصبرون على البلاء، ويصنعون المعجزات.”
هذه الكلمات لم تمرّ مرور الكرام على طلابه، فقد تأثروا بها أيّما تأثر، وراحوا يناقشونها بشغفٍ أثناء الامتحان، حتى نسي بعضهم أنها قطعة نحو، وأخذوا يعيشون معانيها. وهنا تتجلى عبقرية الأستاذ حسن، الذي جعل من مادة النحو الجافة درسًا في الوطنية والإيمان والصبر، يوقظ القلوب ويغرس الوعي في نفوس الناشئة.
كما يؤمن بأن تعليم اللغة العربية ليس مجرد تلقين لقواعد الإعراب، بل هو بناء للشخصية، وغرسٌ للقيم، وربط بين التراث والحاضر. لذلك يسعى دائمًا إلى توظيف النصوص ذات المعاني العميقة في دروسه، فيختار موضوعاتٍ تُشعل الحماسة في قلوب الطلاب، مثل الدفاع عن الوطن، وحب الأم، وبرّ الوالدين، وقيمة العمل.
ويرى أن النحو يمكن أن يكون وسيلةً لفهم الحياة ذاتها، لا مجرد جملٍ جامدة تحفظ ثم تُنسى.
لم يقف تميّزه عند حدود القاعة الدراسية، بل تعدّاها إلى مجتمعه المحلي في القليوبية، حيث أصبح الأستاذ حسن القاضي رمزًا للمعلم المثقف الذي يجمع بين الالتزام الأخلاقي والوعي الوطني. كثير من طلابه يذكرونه بفخر، ويؤكدون أنه كان سببًا في حبهم للغة العربية، وأنه منحهم الثقة في التعبير والكتابة، وربط بين الدرس اللغوي والواقع الذي يعيشونه.
ومن اللافت أن القطعة التي كتبها عن فلسطين تزامنت مع تصاعد الأحداث في الأراضي المحتلة، فكانت رسالته واضحة: أن الكلمة سلاح، وأن التعليم يمكن أن يكون جبهة مقاومة. وهكذا إستطاع أن يُعيد للنحو العربي روحه الأصيلة، في زمنٍ يُحاصر فيه الجمال وتُشوَّه فيه اللغة.
إن الأستاذ حسن محمدي عبدالله (حسن القاضي) مثالٌ للمعلّم الرسالي الذي لا يكتفي بتعليم القواعد، بل يُحيي بها الضمائر، ويُذكّر طلابه بأن العربية ليست لغة القرآن فحسب، بل لغة العزّة والكرامة، وأن فلسطين ستبقى حاضرة في القلب والعقل، وفي دفاتر النحو أيضًا.


